Friday, November 16, 2018

اليوم تبدو إديهر مطابقة لصور كتاب بعثة أوكسفورد

تزامنت بعثة أوكسفورد مع قلاقل عمت المنطقة، إذ خضع المغرب للحماية الفرنسية منذ عام 1912 وبعد نفي السلطان محمد الخامس عام 1953 اندلعت أعمال عنف قمعتها سلطات الاستعمار بقسوة لإخماد جذوة الحركة القومية بالمغرب.
وبينما استعد الطلاب للانتقال من إنجلترا إلى سان سيباستيان بإسبانيا متأهبين للعبور إلى المغرب عبر جبل طارق صيف عام 1955، كان الاحتلال الفرنسي يترنح وكانت البلاد بانتظار المجهول.
ومع وصول الطلاب إلى شمال أفريقيا بحثوا عن قرية نائية تناسب غايتهم طالبين الحماية من ذوي الأمر، ومنهم التهامي الكلاوي والذي عرف بباشا مراكش عام 1912، وقبلها بسيد الأطلس إذ سيطر على درب القوافل عبر جبال جنوب المغرب، وكان له قصره الشهير في تيلويت بوسط البلاد وعُد بين أثرى أثرياء العالم إبان وفاته عام 1956.
أمضى الطلاب ليلتهم لدى الكلاوي قبل أن يرتب أحد الشيوخ لهم قافلة من البغال تحمل أمتعتهم بينما سار الطلاب مسافة 35 كيلومترا من تيلويت إلى إديهر.
واليوم أتيتُ مثل هؤلاء الطلاب إلى المغرب بحثا عن مغامرة. فبعد أن عشت في الولايات المتحدة لعقد من الزمان، وفدت إلى المغرب على أمل كتابة رواية، وذات يوم وبينما كنت أتفقد الكتب بإحدى مكتبات الدار البيضاء وقع بصري على قصة تلك البعثة وتملكتني أخبار الصعاب التي واجهها مغامروها الخمسة، وبينهم مترجم مغربي ودارس لعلم الحيوان وآخر دارس لعلم أعراق البشر وثالث للجغرافيا، فضلا عن باحث نباتات.
ويروي الكتاب أنه خلال الرحلة التي دامت 17 يوما كان الطلاب ينامون بشرفة أحد المسؤولين البريطانيين، وأسعدهم الحظ بلقاء المستكشف الشهير ويلفرد تيسيغر وكادوا أن يقعوا بين أيدي اللصوص في مراكش. وبعد وصولهم إلى "إديهر" خيموا لسبعة أسابيع قضوها في البحث.
وجاء تمويلهم الرئيسي من القائمين على نادي المستكشفين بجامعة أوكسفورد ليتمكنوا من شراء شاحنتهم فضلا عن مبلغ مئة جنيه إسترليني تلقوها مقدما من مجلة ناشيونال جيوغرافيك مقابل كتابة مقال عن الرحلة.
وفي الأسابيع السابقة على الرحلة استعد الطلاب بالكثير من الطعام والبنسلين ولوازم النظافة الشخصية، ويذكر كلارك أن سيدة عجوز استأجر لديها غرفة أعطته من الشطائر ما يكفيه للرحلة وقد صنعتها خصيصا له.
وقد وقع اختيار الطلاب على إديهر لموقعها النائي بأعلى جبال الأطلس رغبة منهم في الوقوف على مكان لم تمسه المدنية الحديثة حتى يتسنى لهم دراسة معتقدات سكانه وأساليب زراعتهمونصب الطلاب خيمهم بجانب جدول ماء قرب شجرة جوز ضخمة في قلب القرية.
ويقول كلارك إنه مع مرور الأيام نشأت صداقة بين الطلاب والقرويين الذين قبلوا الدعوة لخيمة المستكشفين لشرب الشاي وبادلوهم الدعوة لديارهم البسيطة حيث قدموا لهم طعاما من الطواجن المطهوة بعناية.
وخلال ذلك كشف السكان للزوار عن معتقدات بدائية تتعلق بقوى الطبيعة يؤمنون بها، فضلا عن اعتقادهم في الجن، وبدأوا ينظرون إلى الطلبة كأنهم معالجون خارقون بعد أن قدموا لهم بعضا مما لديهم من البنسلين.
وكلما قرأت ما كتبه كلارك استبد بي الشغف لمعرفة ماذا حدث مع إديهر، وهل القرية مازالت موجودة؟
طالعت خرائط غوغل وسألت مغاربة في مراكش باللغة العربية ولم يستطع أحد أن يدلني على شيء. بل اتصلت بأرملة كلارك وسألتها إن كان أي من فريق البعثة عاد مجددا، وعلمت أن كلارك لم يعد وأن لا علم لها بالآخرين.
ويبدو أن تلك النقطة الصغيرة على الخريطة تلاشت تماما ولم يعد من دليل عليها إلا خريطة بسيطة رسمت باليد احتوى عليها كتاب كلارك باعتبار وقوعها على مسافة 16 كيلومترا من بلدة زركتن بين قريتي تادرت وتيلويت في إقليم الحوز، ولم أكن أعرف ما إذا كان اسم القرية تغير أم أنها اختفت تماما وأردت أن أقف على الحقيقة.
وبدا أن تادرت أقرب قرية على الخرائط الحديثة من الموقع الذي حدده كلارك لإديهر، فقدت السيارة لثلاث ساعات من مراكش وكان السائق بمثابة مترجم لي عسى أن أعرف مصير إديهر.
تجمع حولنا مجموعة من الرجال وحملقوا في كتاب كلارك بينما كررت أنا والسائق اسم القرية على مسامعهم، ونظروا مليا في الخريطة اليدوية وأخيرا أشار أحدهم إلى الجبال البعيدة، بعدها أعاننا ميكانيكي سيارات طيب يدعى كريم بتأكيده أن إديهر موجودة وسوف يأخذني هناك.
خلال الرحلة إلى إديهر تعرف طلاب أوكسفورد على معتقدات بدائية لسكان القرية من الإيمان بقوى الطبيعة والغيبيات
انتظرت بمقهى على الطريق في تادرت برفقة كتاب كلارك مفتوحا على منضدة بينما اتصل كريم بصديق له، وبدأت بعثة ارتجالية شملتني وسائقي وكريم وصديقه، وكانت سيارته هي الأضخم في الناحية، وهي رباعية الدفع قادرة على السير بين الجبال.